تداعيات رئاسة ترامب- تحديات جيوسياسية وتأثيرها على العلاقات العربية الأمريكية

المؤلف: صدقة يحيى فاضل08.10.2025
تداعيات رئاسة ترامب- تحديات جيوسياسية وتأثيرها على العلاقات العربية الأمريكية

مما لا ريب فيه أن أنظار العالم بأسره متجهة صوب الأحداث المتلاحقة في الساحة السياسية الأمريكية، وذلك بحكم موقع أمريكا كقوة عظمى فريدة بلا منازع في الوقت الراهن، وإلى أن يتبدل هذا الوضع. ومن هذا المنطلق، يولي العالم اهتماماً بالغاً بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأمريكية، تلك الانتخابات التي تسفر عن بروز "ساسة" يختلفون، إلى حد ما، عن أسلافهم. ولا جدال في أن "الساسة" المنتخبين الذين يتحملون المسؤولية في الأنظمة التمثيلية يضفون تأثيراً من توجهاتهم الفكرية والسياسية والمصلحية. ولكن يبقى التأثير الأكبر من نصيب المؤسسات السياسية الراسخة، وعلى رأسها السلطتان التشريعية والتنفيذية، بالإضافة إلى جماعات الضغط والمصالح المتنوعة. لذا، نؤكد أن لأمريكا، وغيرها من الدول التي تحذو حذوها في أنظمة الحكم، سياسات شبه مستقرة وثابتة، بغض النظر عن "الأشخاص" الذين يعتلون سدة السلطة من حين لآخر، وهويتهم، وما يضمرونه من خطط. ومع ذلك، يلاحظ المراقبون أن الرئيس المنتخب الجديد، "دونالد ترمب"، يباين أسلافه - بشكل ملحوظ - في جوانب عديدة، حتى الرؤساء الجمهوريين أنفسهم. فهو ملياردير ذو نزعة عنصرية متطرفة، وقليل الخبرة في دهاليز السياسة والعلاقات الدولية. ويمكن اعتباره دخيلاً على النخبة السياسية الجمهورية الأمريكية، حيث يسعى إلى إدارة الدولة الأمريكية بنفس الطريقة التي تدار بها الشركات العملاقة. وهذا النهج قد ينطوي على مخاطر جمة، ويفضي إلى كوارث غير متوقعة. إن الرئيس الحالي يحمل توجهات غير مألوفة، تتضمن العديد من الجوانب السلبية، سواء بالنسبة لأمريكا أو للعالم أجمع. ومن المتوقع أن ينعكس جانب من هذه التوجهات على سياسات إدارته القادمة، على الصعيدين الداخلي والخارجي. أما العلاقات السعودية الأمريكية، فهي علاقات إستراتيجية عريقة، شهدت في الآونة الأخيرة بعض التوترات الطفيفة، نتيجة للتطورات الإقليمية والعالمية والاقتصادية المعروفة، مثل الملف النووي الإيراني، والأوضاع المتأزمة في كل من سورية واليمن، وقانون جاستا. إلا أن هذه العلاقات لا تزال تحتفظ بأهميتها ومصالحها المشتركة. وقد تتسبب إدارة "دونالد ترمب" في تصعيد حدة التوتر في هذه العلاقات، نظراً لنهج الرئيس العشوائي والمتغطرس، وحساباته السطحية. كما يُتوقع حدوث قدر أكبر من التنسيق، وتقاسم مناطق النفوذ، بين المعسكرين الغربي، بقيادة أمريكا، والشرقي، بقيادة روسيا. وهذا التوجه، إن تحقق، سيؤدي إلى تقليص وزن وتأثير القوى الإقليمية، باستثناء إسرائيل، التي تسعى دائماً إلى استغلال أي تطور سياسي يطرأ في المنطقة، سواء كان إيجابياً أو سلبياً. * وسبق أن أشرنا إلى أن المنطقة العربية تشهد حالياً صراعاً بين تكتلين عالميين كبيرين متنافسين. التكتل الأول هو التكتل الغربي، الذي تتزعمه الولايات المتحدة. أما التكتل الثاني، المناوئ والمنافس للتكتل الغربي، فيمكن أن نطلق عليه "الشرقي". ويتألف هذا التكتل من القوى التي تعارض الغرب في الوقت الراهن، وفي مقدمتها روسيا والصين، والدول التي تدور في فلكهما. ولكل من هذين التكتلين حلفاء من داخل المنطقة نفسها. ويسعى كل من التكتلين إلى تحقيق ما يعتقد أنه يصب في صالحه. وغالباً ما تكون هذه "المصالح" قاصرة على فئات قليلة في كل تحالف، وغالباً ما يكون تحرك هذين التكتلين في المنطقة ذا اتجاه سلبي ومعاكس للمصالح العليا العربية والإسلامية الحقيقية. وإذا ادعى أحد الأطراف الخارجية أنه يعمل على إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة، فإنه غالباً ما يسعى إلى تحقيق ذلك بما يتوافق مع مصالحه وأهدافه المتغيرة التفاصيل والثابتة الجوهر. أما العمل على إقامة استقرار حقيقي وقوي، قوامه الحرية والعدالة والمساواة والشورى والتكافل الاجتماعي، لكي تعيش الأمة عزيزة مستقلة في أرضها، متمتعة بحقوقها المشروعة وإمكاناتها، بما يحقق لها الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار، ومكانة مرموقة بين أمم الأرض المعاصرة، فهذا أمر مستبعد من قبل أطراف هذين التكتلين. وفي الوقت الراهن، نرى أن إيران وبعض الدول العربية، مثل العراق وسورية على وجه الخصوص، تقف في تحالف غير معلن مع معسكر الشرق، نظراً لتشابه "المصالح" في الوقت الراهن. بينما تميل تركيا ومعظم الدول العربية الأخرى إلى المعسكر الغربي، على الرغم من الخلافات التي تطفو على السطح مع الغرب. كما يلاحظ أن تحالف دولة مع معسكر معين لا يعني قطيعة تامة مع المعسكر الآخر، كما كان الحال أثناء الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي السابق. فهناك دول تقيم علاقات وثيقة مع المعسكر المنافس للمعسكر الذي "تتحالف" معه. وهذا يدل على عدم التطابق التام والضروري في المصالح والأهداف بين حلفاء كل معسكر. إن القوى الخارجية في التكتلين لا تفكر إلا فيما يحقق مصالحها الأنانية والانتهازية. ومعظمهم يتبع أسلوب "أنا أكسب، وليخسر غيري"، وليس أسلوب "لأستفيد، وأفيد". وسيزداد هذا التوجه في العهد "الترامبي" القادم، وربما بشكل سافر وأكثر عداء للعرب على وجه الخصوص. صحيح أن قادة هذين التكتلين، أمريكا وروسيا، هما قوتان يصعب مجاراتهما، والتصدي لمخططاتهما. ولكن، بقليل من التنظيم السياسي، وقدر من الحكمة السياسية، يمكن إرغام هذه القوى على احترام الحقوق العربية، ودفعها لاستخدام أسلوب يحقق المصالح المشتركة، ولا يخدم مصالح طرف على حساب طرف آخر. وعلى العرب أن يستعدوا لمواجهة تحديات إقليمية وعالمية جسيمة تلوح في الأفق، مواجهة سليمة ومدروسة، حتى يضمنوا ولو الحد الأدنى من النجاة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة